المدرسة العثمانية
تقع المدرسة في الجهة الغربية من المسجد الأقصى جنوب باب المطهرة وتتكون من طابقين من البناء وتستند في جزء منها على الرواق الغربي للمسجد الأقصى، على يمين الخارج من باب المطهرة أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك من الناحية الغربية مقابل الرباط الزمني ولا يتوصل إليها إلا من داخل المسجد الأقصى، وهي مجاورة للمدرسة السلطانية الأشرفية(1). بنيت المدرسة العثمانية سنة 840 هجري حيث أوقفتها امرأة من أكابر الروم اسمها أصفهان شاه خاتون وتدعى خانم، في عهد السلطان المملوكي الأشرف سيف الدين برسباي، وعليها أوقاف ببلاد الشام وغيرها من البلاد وعلى بابها تاريخها في 840. يدل على ذلك النقش الكائن فوق مدخل الباب والذي أورد نصه مجير الدين العليمي في كتابه الأنس الجليل ( بسم الله الرحمن الرحيم، أمرت بعمارة هذه المدرسة المباركة الست الجليلة المحجبة أصفهان شاه خاتون ابنة المرحوم الأمير محمد العثمانية الشهيرة بخانم لطف الله بها ووفق عليها الانتقال سنة أربعين وثمان مئة، وكان الفراغ من عمارتها في سلخ سنت المذكورة وذلك بهمة الخواجا ولد صافي الرومي (2). وقد سجلت هذه الوقفية في السجل رقم 602 من سجلات الأراضي (موجود الان في أرشيف رئاسة الوزراء بتركيا) في عام 844 هجري أي بعد الفراغ من عمارتها بأربع سنوات (3). يُدخل للمدرسة العثمانية من خلال بوابة جميلة كبيرة مزدانة بالزخارف المأثورة عن عهد المماليك، إلى دركاه ثم إلى صحن صغير وإلى يسار الداخل باب يؤدي إلى غرفة ضريح تحتل الجهة الشمالية الشرقية من المبنى ولهذه الغرفة شباكان احدهما شمالي على زقاق باب المطهرة والثاني شرقي يطل على رواق الحرم . وفي الغرفة قبران مغطيان بالقماش الصغير منهما من الحجر الجيري الأحمر، والكبير عليه تابوت كتب عليه بالخط النسخي المملوكي ما يلي : ( بسملة... توفيت إلى رحمته تعالى الستر الرفيع والحجاب المنيع خوند كان تغمدها الله برحمته واسكنها فسيح جناته بتاريخ ثالث عشرين من شهر شوال سنة اربع وثمان مئة من الهجرة النبوية (4).
تعتبر المدرسة العثمانية من المدارس الهامة في القدس يتجلى ذلك من أسماء العلماء الذين درسوا بها. وأكثرهم من كبار علماء الحنفية في القدس حيث يدل ذلك على أنها من أهم مدارس الحنفية ومن هؤلاء : 1 _ الشيخ الإمام سراج بن مسافر بن زكريا بن يحيى عالم الحنفية بالقدس الشريف وهو رومي الأصل. ٢ _ شيخ الإسلام والمسلمين ورأس العلماء المحققين الشيخ سراج الدين عمر بن ابي اللطف المفتي بالديار القدسية. 3_ الشيخ جار الله بن ابي بكر بن محمد المعروف بابن ابي اللطف مفتي الحنفية بالقدس. وكذلك الشيخ محمد بن عبد الحق بن ابي اللطف والشيخ حافظ الدين محمد بن جمال المقدسي والشيخ عبد الغفار يوسف والشيخ هبة الله بن عبدالغفار بن يوسف العجمعي وغيرهم الكثير(5).
نستنتج أن دروس العلم والتدريس في المدرسة العثمانية استمر في اواسط القرن التاسع حتى القرن الثاني عشر الهجري أي أربعة قرون. وغالب الظن توقف التدريس فيها في القرن الثاني عشر الهجري وهو قرن الانحلال بالنسبة للكثير من المدارس والمؤسسات التعليمية في القدس. تحولت المدرسة العثمانية فيما بعد إلى دار للسكن يسكنها جماعة من آل الفتيان، ثم عمرها المجلس الإسلامي الأعلى. وقد تعرضت المدرسة بسبب الحفريات الاسرائيلية تحتها للتهدم والتصدع في بنائها(6). ودخلوا المسجد من خلال الخندق الذي حفروه في المدرسة. تميزت المدرسة العثمانية عن غيرها من مدارس القدس أنه كان يدرس فيها العلوم العقلية إضافة للعلوم الدينية حيث كان الشيخ الامام سراج بن مسافر يدرس الناس العلوم القديمة كالفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية (7).
المصادر والمراجع :
(1) المدارس التاريخية حول المسجد الأقصى : دراسة وصفية ، مجلة الامة 1998 . (2) العليمي : الانس الجليل ، ج2 ،ط1،ص 79ـــ
(3) كامل جميل العسلي : معاهد العلم في بيت المقدس ، عمان1981، ص177ـــ (4) فان برشم : نقوش القدس، ص177
(5) كامل العسلي : المرجع السابق ،ص180 (6) فؤاد الدويكات : دور المرأة المقدسية في خدمة علوم الدين ،ط1،ص62 .
(7) العليمي : الانس الجليل نج2،ص228.
َ